فصل: مسألة حلف ألا يأكل جبنا فأكل لبنا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة استفتح المحلوف عليه في صلاة ففتح عليه الحالف:

ومن كتاب الثمرة:
مسألة قال ابن القاسم: إذا استفتح المحلوف عليه في صلاة ففتح عليه الحالف فهو حانث، قال ابن وهب: فتح عليه أو رد عَلَيْهِ السَّلَامُ في الصلاة فهو حانث لأن الرد ليس من الصلاة وقد كان عبد العزيز يذكر ذلك.
قال محمد بن أحمد: لا اختلاف في أن الحالف يحنث إذا فتح على المحلوف عليه كان معه في صلاة أو لم يكن لأن فتحه عليه ليس من سنة الصلاة وقد نفعه بذلك فهو معنى ما حلف عليه، ولا في أنه لا يحنث بالتسلمة الأولى التي يخرج بها من الصلاة كان إماما والمحلوف عليه وراءه أو مأموما والمحلوف عليه عن يمينه لأن ذلك من الصلاة فليس من معنى ما حلف عليه. واختلف في رد السلام على الإمام أو على من على يساره، فقال في المدونة: إنه لا يحنث، وقال ابن وهب وعبد العزيز: إنه يحنث، ومثله في كتاب ابن المواز، وكذلك اختلف أيضا هل يحنث الإمام بالتسلمة الثانية إذا كان ممن يسلم التسلمتين والمحلوف عليه عن يساره، ففي كتاب ابن المواز أنه يحنث، وقال ابن ميسر: إنه لا يحنث، وكذلك إذا كان مأموما فسلم على يساره تسليمة ثانية من غير رد والمحلوف عليه عن يساره، والاختلاف في هذا كله على ما ذكرناه في رسم جاع من الاختلاف في مراعاة المقصد إذا خالف اللفظ وكان مظنونا غير متيقن وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا وهو يريد قطع معاملته لنفسه:

ومن كتاب أوله يدير ماله:
مسألة قال في من حلف ألا يبيع رجلا ثوبا أبدا وهو يريد قطع معاملته لنفسه وقطع المنفعة عنه وإرفاقه وينوي إن جاءه ليشتري لغيره منه فباع منه ابن للحالف صغير في حجره، قال: إن كان هذا الابن قد باع واشترى إلا أنه يستشير أباه كما يستشير غيره وكما استشير أنا وأنت فلا شيء عليه وإن كان لا يشتري ولا يبيع إلا بأبيه ولا ينفذ له بيع ولا شراء إلا بأبيه فهو حانث إن أجاز بيعه، وقال لي ابن وهب مثله وقال أشهب مثله.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأنه إذا أطلقه على البيع والشراء صار في ذلك كالمالك لأمر نفسه ولم يكن له أن يرد شيئا من بيوعاته وأشريته فوجب ألا يحنث بما باع منه بغير أمره ولا علمه إذ لا سبيل له إلى تعقب ذلك ولا رده وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى سلعة بدنانير إلى أجل وحلف ليقضيه إياها إليه فوجد بالسلعة عيبا:

وسئل عن رجل اشترى سلعة بدنانير إلى أجل وحلف ليقضيه إياها إليه، فوجد بالسلعة عيبا فأراد ردها، قال: يقضيه الثمن ثم يخاصمه، قال أصبغ: ولو خاصمه قبل أن يقضيه حتى يرد عليه بغير شيء ويسقط موضع القضاء كان حانثا ثم إن رجع بعد ذلك يعطيه الثمن قبل الأجل لم ينتفع بذلك أيضا وقد وجب عليه الحنث، وسألت ابن وهب عن ذلك فقال لي مثله وأحب إلي أن يقضيه ثم يخاصم.
قال محمد بن أحمد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب الأيمان بالطلاق في رسم إن خرجت وفي رسم إن أمكنتني ووجوب الحنث عليه إن لم يقضه الثمن بين إن كانت السلعة قايمة لأنه مخير بين أن يرد السلعة أو يدفع جميع الثمن، فإن لم يدفعه حنث، وأما إن فاتت السلعة ووجب له الرجوع بقيمة العيب فيستحب له أن يدفع إليه جميع الثمن ثم يقوم عليه فيأخذ منه قيمة العيب، فإن لم يفعل يحنث لأن العيب قد كشف أنه لم يكن عليه جميع الثمن الذي حلف بدفعه، وقد قيل: إنه يحنث إن لم يدفع له جميع الثمن، والأول أظهر، والقولان في رسم إن أمكنتني من سماع عيسى مع كتاب الأيمان بالطلاق، ولو لم يكن عليه يمين فظهر من السلعة علي عيب قبل أن ينقد الثمن فطلب البائع أن ينقده جميع الثمن ثم يخاصمه فيما يدعيه من العيب وأبى هو أن يدفعه إليه حتى يحاكمه فيه لم يكن ذلك له إلا أن يكون شيئا ينقضي من ساعته، قاله ابن مزين.

.مسألة حلف رجل في عبده ألا يبيعه فرهنه فباعه السلطان عليه:

قال ابن القاسم: إذا حلف رجل في عبده ألا يبيعه فرهنه فباعه السلطان عليه في ذلك الرهن حين لم يكن له مال غيره فإنه لا حنث عليه وإن اشتراه يوما ما فلا شيء عليه فيه.
قال محمد بن رشد: لم يبين في الرواية بم كانت يمين الحالف عليه؟ فقال يحيى بن عمر: إنما قال إنه لا حنث عليه لأن يمينه إنما كانت بحرية عبده فوقع الحنث ولا مال له غيره فكان الدين أولى من العتق، وهو تأويل جيد تصح به المسألة إذا قلنا: إن الحنث يقع عليه ببيع السلطان إليه، وهو المعلوم من مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك، فيكون معنى قوله في الرواية لا حنث عليه أي لا يعتق عليه بالحنث من أجل الدين، ويكون معنى قوله: وإن اشتراه يوما ما فلا شيء عليه أي لا يعتق عليه إن اشتراه بالحنث المتقدم؛ لأن الدين قد رده لا أن اليمين تنحل عنه بل ترجع عليه باشترائه إياه، فإن باعه عتق عليه على ما في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب العتق في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يكلم فلانا فيحنث فيرد الغرماء عتقه فيباعون في الدين ثم يشتريهم بعد ذلك أن اليمين ترجع عليه ويعتقون إن كلم فلانا، ويحتمل أن يكون معنى قوله: إن اشتراه يوما ما فلا شيء عليه أن اليمين تنحل عنه فلا يكون عليه شيء إن باعه بعد ذلك خلاف ما في سماع عيسى من كتاب العتق؛ لأن لذلك وجها وهو أنه قد يحنث ببيع السلطان فوجب أن يعتبر بحنثه وإن كان العتق قد رده الدين فلا يحنث مرتين على ما قالوا في من حلف ألا يفعل فعلا ففعله مرة فحنث أنه لا يحنث بفعله مرة أخرى، ورجوع اليمين عليه أظهر لأن العتق إذا رد فكان الحنث لم يقع إذ لم يلزمه به حكم على ما قالوا في من حلف بعتق عبده ألا يفعل فباع العبد ثم فعل ذلك الفعل ثم اشتراه ففعله ثانية إن العتق يلزمه إذ لم يلزمه بالفعل الأول والعبد في غير ملكه شيء، ولو كانت يمينه ألا يبيع عبده من غير عتقه فرهنه فباعه السلطان عليه في ذلك الرهن لجرى وجوب حنثه على الاختلاف في من حلف ألا يفعل فعلا فقضى عليه السلطان به، وقد مضى ذلك في رسم العشور وغيره، فإذا حنث على القول بتحنيثه لم ترجع عليه اليمين إلا في مسألة الوتد في رسم حلف من سماع ابن القاسم، وإذا لم يحنث على القول بأنه لا يحنث رجعت عليه اليمين إلا على القول بأن الملك الثاني كعبد آخر، وإن من حلف ألا يفعل فعلا بعتق عبده فباعه ثم اشتريه ففعل ذلك الفعل لم يكن عليه شيء، وإلى هذا ذهب ابن بكير، جعل رجوع العبد إليه بعد البيع كرجوع الزوجة بعد الثلاث. وقال الشافعي: لا ترجع عليه اليمين في العبد بعد الشراء ولا في الزوجة بعد النكاح واحدة طلقها أو ثلاثا.

.مسألة حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا فوهبه له:

قال عيسى: قال ابن القاسم: لو أن رجلا حلف على قريب له ألا يعيره ثوبا فوهبه له قال: إن كان أراد ألا ينفعه فهو حانث وإن لم يكن أراد ألا ينفعه فالهبة غير العارية فلا أرى عليه شيئا.
قال محمد بن أحمد: وكذلك لو حلف ألا يعيره عارية فوهب له هبة ولو حلف ألا يهب له هبة فأعاره عارية لحنث إلا أن تكون له نية، قاله في المدونة، وذلك كله صحيح، والفرق بين المسألتين أن العارية هبة لأنها هبة لمنافع الشيء المعار، وليست الهبة عارية إذ لا ترجع إلى الواهب فإذا حلف الرجل ألا يعير رجلا ثوبا فوهبه له لم يكن عليه حنث إذ ليست الهبة عارية إلا أن يكون نوى ألا ينفعه فيحنث بكل وجه من وجوه المنافع وإن لم تكن عارية، وإذا حلف ألا يهبه هبة فأعاره عارية حنث؛ لأن المعير واهب لمنافع الشيء الذي أعاره، وهو قد عم بحلفه ألا يهبه هبة جميع الهبات الرقاب والمنافع، فوجب أن يحمل يمينه على عمومها إلا أن تكون له نية بأن يقول: إنما أردت هبة الرقاب ولم أرد هبة المنافع فينوى في ذلك وإن حضرته بينة فيما يقضى به عليه بخلاف من حلف ألا يهب لرجل ثوبا فوهبه ثوب كتان وقال: إنما أردت ثوب خز أو حرير؛ لأن لهبة المنافع اسما يختص بها كالعارية والإسكان والإمناح والإرفاق وشبه ذلك، ولو حلف ألا يهبه ثوبا فأعاره إياه عارية لم يحنث، فحلف الرجل ألا يهب الرجل ثوبا بخلاف حلفه ألا يهبه هبة، وحلفه ألا يعيره ثوبا مثل حلفه ألا يعيره عارية سواء، فقف على ذلك وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يأكل من طعام فلان فاشتريا طعاما فأكلاه جميعا:

وسألت ابن القاسم عن رجل حلف ألا يأكل من طعام فلان فاصطحبا في سفر فاشتريا طعاما فأكلاه جميعا، قال: إن كان لم يأكل أكثر من نصيبه وإنما أكل نصيبه فما دونه فما أرى عليه شيئا، وقد سمعت عن مالك شيئا وهو رأيي لو ترك ذلك، وما أحب ذلك له بدءا، قلت له: أرأيت أن قدما سفرتيهما أو طعاميهما من غير اشتراء فأكلا جميعا من الطعامين فكان ذلك كفافا، قال: هذا لا يعجبني وأخاف أن يحنث، قال أصبغ: لا يحنث وإنما هو كالاشتراء كأنه اشترى منه ما أكل بما أكل فإذا كان مثلا فدون لم يكن أكثر حتى يكون له الفضل عليه فلا حنث عليه إن شاء الله.
قال محمد بن أحمد: أما إذا اشريا طعاما فأكلاه جميعا فلا إشكال في أنه لا حنث على الحالف إذا لم يأكل أكثر من نصفه، والأصل في ذلك قوله عز وجل: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] فأباح للوصي خلط نفقته بنفقة يتيمه إذا قصد بذلك الرفق بيتيمه ولم يرد بذلك الارتفاق لماله، فإذا لم يكن بهذا الفعل آكلا لمال يتيمه فلا يكون به آكلا لمال المحلوف عليه، وأما إذا قدما سفرتيهما أو طعاميهما من غير اشتراء فأكلا جميعا منهما فجعل ذلك أصبغ كالاشتراء، ولم يرج ذلك حنثا إذا لم يأكل الحالف أكثر من نصيبه، ولم يعجب ذلك مالكا وخشي عليه الحنث، ووجه ذلك الاشتراء يفتقر إلى رضى المتبايعين فلعل المحلوف عليه لا يسلم له ما أكل من طعامه بما أكل هو من طعامه إلا على سبيل الإفضال عليه وإن كان أقل قيمة منه إذ لا يلزمه أن يبيع طعامه إلا بما شاء من قليل الثمن وكثيره، وهذا إذا كانت يمينه على وجه المن ولم يكن لخبث أصل طعام الرجل ورداءة مكسبه، وقد مضى هذا المعنى في رسم نقدها نقدها من سماع عيسى، وقد مضى في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من كتاب الجهاد نحو هذا المعنى وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ليقضين فلانا حقه في انسلاخ الهلال:

ومن كتاب البراءة:
مسألة قال ابن القاسم في من حلف ليقضين فلانا حقه في انسلاخ الهلال قال: إذا غابت الشمس ولم يقضه فهو حانث، فإن قال إلى انسلاخ الهلال، فمثل ذلك يحنث إذا غابت الشمس ولم يقضه، وإذا قال لانسلاخ الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى استهلال الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى رؤية الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال آخر رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال في انقضاء رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس، قال: والانقضاء مثل الانسلاخ فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى دخول الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس وإذا قال عند آخر الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس وإذا قال إلى أخر الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى ذهاب الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى رأس الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال في ذهاب الهلال فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال في رمضان وهو في رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال إلى حلول رمضان فهو حانث إذا غربت الشمس من آخر يوم من شعبان، وإذا قال وهو في شوال في حلول وإذا حل وحين يحل وفي مجيء ولمجيء يوم وليلة وإذا قال إلى مجيء فهو حانث إذا غربت الشمس، وإذا قال حين ينقضي فله يوم وليلة أرجو ذلك، وإذا قال حين يسهل مثل ذلك أيضا، وإذا قال حين يذهب فله يوم وليلة، وإذا قال إذا استهل فله يوم وليلة وفي رؤية الهلال فله يوم وليلة، وإذا قال عند رؤية الهلال له يوم وليلة، وإذا رئي الهلال له يوم وليلة، وإذا قال انقضى الهلال له يوم وليلة، ولرؤية الهلال له يوم وليلة، وإذا قال عند انقضاء رمضان له يوم وليلة، وإذا قال إذا دخل هلال رمضان فله يوم وليلة، وإذا قال إذا حل الهلال له يوم وليلة، وإذا قال إذا جاء الهلال له يوم وليلة، وإذا قال عند دخول الهلال له يوم وليلة، وإذا قال إذا جاء الهلال له يوم وليلة وإذا دخل الهلال له يوم وليلة، وإذا قال حين يجيء الهلال له يوم وليلة، وإذا قال: عند الهلال له يوم وليلة، وعند رأس الهلال له يوم وليلة، وإذا جاء رأس الهلال له يوم وليلة، وإذا قال إذا ذهب الهلال فله يوم وليلة، وإذا قال عند ذهاب الهلال فله يوم وليلة، وإذا قال في استهلال الهلال له يوم وليلة، وإذا قال عند استهلال الهلال ولاستهلال الهلال له يوم وليلة.
قال محمد بن رشد: هذه ألفاظ كلها وهي نحو خمسين مسألة إنما يختلف ما يختلف منها ويتفق ما يتفق منها بحسب موضوعها في اللسان بما أتى فيه منها بإلي التي هي للغاية فهو حانث فيها بغروب الشمس سواء سمى معها ما هو من آخر شعبان أو من أول رمضان، وأما ما لم يأت فيه بإلى فينظر فيه فما كان منها يقتضي كون القضاء قبل تمام شعبان فهو حانث بغروب الشمس، وما كان منها يقتضي كون القضاء بعد تمام شعبان فله يوم وليلة من أول رمضان، فمنها ألفاظ بينة ومنها ألفاظ مشكلة محتملة يظهر فيها اضطراب من قول ابن القاسم، من ذلك تفرقته بين أن يقول ويتخرج على حمله على الاستقبال والحال جميعا ثلاثة أقوال، أحدها أنه يلزمه إخراج ثلث جميع ما يملك وجميع ما يفيد إلى ذلك الأجل، والثاني أنه يلزمه ثلث جميع ما يملك ويفيد إلى ذلك الأجل، والثالث أنه يلزمه ثلث ماله الساعة ولا شيء عليه فيما يفيده إلى ذلك الأجل، وذلك خمسة أقوال على ما قلناه، وهذا كله في اليمين، وأما إذا نذر الرجل أن يتصدق بجميع ما يفيده أبدا فيلزمه أن يتصدق بثلث ذلك قولا واحدا، وإن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده إلى أجل كذا أو في بلد كذا فيلزمه إخراج جميع ذلك قولا واحدا لقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: 75] الآية إلى قوله: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]. وقَوْله تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7]، وقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من نذر أن يطيع الله فليطعه»، الحديث، وإن كان لم ينص في المدونة وغيرها على التفرقة في هذا بين النذر واليمين، فالوجه في ذلك عندي أن تحمل هذه المسائل على اليمين دون النذر، وإنما يستوي النذر واليمين عند مالك وعامة أصحابه في صدقة الرجل بجميع ما يملك من المال «لقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ لأبي لبابة وقد نذر أن ينخلع من جميع ماله: يجزيك من ذلك الثلث»، والله الموفق.

.مسألة حلف ألا يكلم رجلا فكتب إليه ذلك الرجل الذي حلف عليه ألا يكلمه:

ومن كتاب القطعان:
مسألة وسئل عمن حلف ألا يكلم رجلا فكتب إليه ذلك الرجل الذي حلف عليه ألا يكلمه، فقال ابن القاسم: هو حانث إن قرأ كتابه وإنما ذلك بمنزلة ما لو أن الحالف نفسه هو الذي كتب إليه.
قال محمد بن رشد: مثل هذا في سماع أبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق، وحكى ابن المواز عن أشهب وعن ابن القاسم من رواية أبي زيد أيضا أنه لا يحنث الحالف بقراءة كتاب المحلوف عليه واختاره وزعم أنه أنكر جماعة من أصحاب ابن القاسم قول ابن القاسم بإيجاب الحنث عليه، وكذلك هو قول بعيد؛ لأن معنى تكليم الرجل إفهامه ما في نفسه، وليس في قراءة الحالف كتاب المحلوف عليه إفهام له شيئا مما في نفسه من كلامه وإنما فهمه لما في نفس المحلوف عليه من الكلام فذلك بمنزلة ما لو كلمه المحلوف عليه ولم يراجعه عليه ووجه تحنيثه هو أن الحالف ألا يكلم رجلا قد أراد قطيعته، وقراءته لكتابه من باب الصلة له وفي ذلك بعد.

.مسألة حلف ألا يأكل جبنا فأكل لبنا:

قال ابن القاسم: وليس الجبن من اللبن ولا اللبن من الجبن ولا السمن من الزبد ولا الزبد من السمن، كل هذا مفترق على حدة فمن حلف ألا يأكل جبنا فأكل لبنا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل لبنا فأكل جبنا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل زبدا فأكل سمنا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل سمنا فأكل زبدا فلا شيء عليه، ومن حلف ألا يأكل لبنا فلا بأس أن يأكل الجبن والزبد والحالوم والسمن.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح، ومذهب ابن القاسم أنه إذا حلف ألا يأكل شيئا سماه عينه أو لم يعينه فأكل شيئا مما يخرج منه لم يحنث إلا أن يكون قال منه فيحنث إن كان شيئا مما يخرج منه ما عدا خمسة أشياء الشحم من اللحم، والنبيذ من التمر، والزبيب والعصير من العنب، والخبز من القمح والمفرق من اللحم فإنه يحنث بها عينها أو لم يعينها، قال منه أو لم يقل منه، وأما إذا حلف ألا يأكل شيئا فأكل ما خرج منه ذلك الشيء فلا شيء عليه عينه أو لم يعينه. قال منه أو لم يقل منه، وقد مضى هذا المعنى في رسم أوصى وبعض ما في ذلك من الخلاف.

.مسألة حلف ألا يأكل لبنا فأصاب لبن الضان وقال إنما أردت لبن المعز:

ومن حلف ألا يأكل لبنا فأصاب لبن الضان وقال: إنما أردت لبن المعز، أو أكل لبن المعز وقال: إنما أردت لبن الضان، أو أكل لبن البقر أو لبن الإبل وقال: إنما أردت لبن الغنم فإن كانت عليه بينة لزمه الحنث وإن جاء مستفتيا دين في ذلك، ومن حلف ألا يأكل سمنا فأكل سمن البقر وقال: إنما أردت سمن الغنم فمثل ذلك أيضا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصولهم فمن ادعي نية مخالفة لظاهر لفظه أنه لا يصدق فيما يقضى به عليه إلا أن يأتي مستفتيا فلا خلاف في ذلك، ونظائرها في الأمهات أكثر من أن تحصى بعد أو يبلغها حصر.

.مسألة حلف ألا يبيع سلعة فاغتصبها رجل منه فوجدها قد فاتت عنده:

وسئل عن رجل يحلف ألا يبيع سلعة فاغتصبها رجل منه فوجدها قد فاتت عنده بنجاء أو نقصان، قال: إن فاتته عنده بنجاء فأخذ لها ثمنا فقد حنث، وإن فاتت بنقصان فكان ذلك النقصان فاحشا يكون الثلث فأكثر فأخذ لها ثمنا فليس عليه شيء، وإن كان الشيء التافه فأخذ لها ثمنا فقد حنث، قلت: فإن كانت قد فاتت بنقصان فكان ذلك نقصانا فاحشا يكون أكثر من الثلث فأخذ من الغاصب سلعة مثل سلعته فأراد بيعها؟ قال: ليس عليه شيء لأنه إنما كانت وجبت له عليه دنانير، وقال في كتاب المكاتب من سماع يحيى وعيسى وسئل عن رجل حلف في سرج له ألا يبيعه فعدا عليه عاد فانتزعه منه غصبا فأراد الحالف أن يأخذ له ثمنا أو عوض سرجه، قال: إن كان السرج قائما لم يفت فأخذ له ثمنا أو عوضا فهو حانث، وإن كان السرج قد فات فأخذ له قيمة أو سرجا فلا حنث عليه، وقال في كتاب باع شاة، قال عيسى: سألت ابن القاسم عن الرجل يحلف بحرية عبده ألا يبيعه فيغتصبه منه إنسان فينتقص عنده فهل له أن يأخذ قيمته؟ قال: إن كان الذي نقصه منه أمرا جاءه من الله فأخذ قيمته فقد حنث لأنه كان مخيرا على الغاصب إما أن يأخذه بعيبه ولا شيء عليه في العيب، وبين أن يسلمه ويأخذ قيمته، فلما أسلمه وأخذ قيمته كان بايعا له، ولو أصابه غيره بأخذ له إنشاء أو لم يأخذ له فأسلمه كان حانثا إذا رضي بالقيمة من غاصبه ولو أنه أخذه وأخذ ما أخذ الغاصب في جرحه أو اتبع الجارح بما جنى على عبده لم يكن عليه شيء.
قال محمد بن رشد: الذي يتحصل من هذه الرواية ثلاثة أقوال، أحدها أنه لا يحنث بأخذ القيمة منه إذا فاتت عنده فواتا توجب له تضمين القيمة إياه يسيرا كان النقصان أو كثيرا بأي وجه كان وهو الذي في كتاب المكاتب، والثاني أنه يحنث بأخذ القيمة منه فيها وإن فاتت ووجب له تضمين القيمة إياه يسيرا كان النقصان أو كثيرا بأي وجه كان، وهو الذي في كتاب باع شاة، والثالث أنه يحنث بأخذ القيمة فيها منه إن كان النقصان يسيرا، ولا يحنث إن كان النقصان كثيرا أكثر من الثلث، وجه القول الأول إن ذلك ليس بيعا لأن البيع إنما يكون برضى المتبائعين والغاصب مجبور على أخذ القيمة منه، ووجه القول الثاني أن ذلك بيع من أجل أنه مخير بين أن يأخذ سلعته ويضمنه ما نقص يسيرا كان النقصان أو كثيرا وبين أن يسلمها إليه ويأخذ منه قيمته، فأشبه من حلف ألا يبيع سلعة فباعها على أنه فيها بالخيار أنه يحنث إن أمضاها له وإن كان المبتاع مجبورا على أداء الثمن فيها للعقد المتقدم، والقول الثالث لا يخرج عن القولين، فهو استحسان على غير حقيقة القياس، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يستسلف من رجل شيئا وللحالف للمحلوف عليه حق:

ومن كتاب أوله باع شاة:
مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يستسلف، من رجل شيئا وكان على الحالف للمحلوف عليه حق، فسأله أن يؤخره، قال: إن سأله أن يؤخره فأخره حنث قلت: فرجل حلف ألا يسلف رجلا شيئا وكان له عليه حق فسأله أن يؤخره فأخره حنث؟ قلت: أفيتوانى في تقاضيه منه من غير تأخير؟ قال: لا.
قال محمد بن أحمد: إنما وجب أن يحنث الحالف ألا يستسلف بالانتظار والحالف ألا يسلف بالإنظار لأن ذلك في معنى السلف وإن لم يسم ذلك سلفا والحكم للمعاني دون الأسماء فلو ادعى كل واحد منهما أنه أراد السلف ولم يرد الإنظار لوجب أن ينوى على أصولهم وإن كانت على يمينه بينة، وقد مضى ذلك في رسم أسلم وأما إذا توانى في تقاضيه من غير تأخير فالصواب أنه لا يحنث إن فعل وإن كان لا ينبغي له أن يفعل ليكون ذلك أبر له وأبرأ من الحنث إذ لم يقع منه سلف ولا ما هو في معناه من الإنظار، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف لينتقلن:

وقال مالك: من حلف لينتقلن فلينتقل بكل شيء له، وليقم شهرا ثم ليرجع إن شاء، ولو قال: امرأتي طالق البتة لانتقلن عنك فإنه يطلب ويرتاد لنفسه منزلا ولكن لا يطأ حتى ينتقل.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم وجه استحسانه للمنتقل أن يقيم شهرا قبل رجوعه، ومضى في رسم أوصى من هذا السماع القول في انتقاله بجميع متاعه فلا معنى لإعادة ذلك، وأما قوله إنه إن حلف بالطلاق فلا يطأ حتى ينتقل فهو قوله في المدونة وغيرها؛ لأنه على حنث فإن رفعت امرأته أمرها وطلبته بالوطء ضرب له أجل الإيلاء من يوم ترفعه، فإن بر بالانتقال وإلا طلق عليه بالإيلاء وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يسأل رجلا شيئا فأعطاه ذلك الرجل شيئا:

ومن كتاب العتق:
مسألة وسئل عن رجل حلف ألا يسأل رجلا شيئا فأعطاه ذلك الرجل شيئا، قال: لا حنث عليه إن لم يسأله إلا أن يكون نوى ألا يأخذ منه شيئا.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال، والأصل في ذلك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن المسألة وأباح للرجل قبول ما أعطي من غير مسألة، فلم يكن ما أباح من جنس ما نهى عنه، وفي هذه المسألة زيادة في سماع أصبغ سيأتي القول عليها في موضعها إن شاء الله تعالى.

.مسألة حلف ألا يجاور رجلا فمرض المحلوف عليه فأتاه عائدا:

من سماع يحيى من ابن القاسم رَحِمَهُ اللَّهُ:
من كتاب الصبرة:
مسألة قال يحيى: وسئل عن رجل حلف ألا يجاور رجلا فيرتحل عنه ثم يمرض المحلوف عليه فيأتيه الحالف عائدا فيقيم عنده أياما أو يأتيه زائرا فيقيم أياما، قال: لا حنث عليه في إقامته اليومين والثلاثة ونحو ذلك، قيل له: فإن كانت إقامته عنده ومعه أهله أترى في إقامته اليومين والثلاثة مع أهله وعياله بأسا وقد ارتحل عنه رحيلا بائنا؟
قال محمد بن رشد: من حلف ألا يسكن رجلا ولا يجاوره ولا نية له في مجانبته والتنحي عنه فلا يحنث بالزيارة ما لم تطل؛ إذ ليست بسكنى على ما في المدونة وغيرها، واختلف إن طالت فقيل: إنه لا يحنث إذا لم يكن على وجه السكنى، وهو قول أشهب في كتاب ابن المواز وأحد قولي أصبغ، وقيل: إنه يحنث إذا طالت لأنه يكون بها في معنى المساكن وإن لم يكن مساكنا، وهذا على ما ذكرناه في رسم جاع من سماع عيسى من اختلافهم في مراعاة المقصد المظنون إذا خالف ما يقتضيه اللفظ المظنون به، واختلف في حد الطول الذي يكون به الزائر في معنى المساكن على قولين، أحدهما أنه ما زاد على الثلاثة الأيام ونحوها وإن كان معه في حاضرة واحدة، وهو ظاهر هذه الرواية ولم يجب إن كان معه أهله وولده في هذه الأيام، والظاهر أنه لا يحنث أيضا إلا أن يكون أصل يمينه لما يدخل بين النساء والصبيان، والثاني أن الطول في ذلك أن يكثر الزيارة بالنهار أو يبيت في غير مرض إلا أن يشخص إليه من بلد آخر فلا بأس أن يقيم اليوم واليومين والثلاثة على غير مرض وهو قول ابن القاسم وروايته عن ملك في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وأصحابه، والاختلاف في هذا راجع إلى العرف والعادة في الزيارة فيحنث عند جميعهم إذا أقام أكثر مما جرت العادة بإقامته في الزيارة، وإنما اختلفوا لأن كل واحد منهم أجاب بما غلب على ظنه من العرف في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف إن فعل كذا فماله صدقة على المساكين بأيمان مختلفة فيحنث:

ومن كتاب الصلاة:
مسألة قال يحيى: وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف إن فعل كذا وكذا فماله صدقة على المساكين يحلف بأيمان مختلفة في أيام مفترقة أو غير مفترقة فيحنث في إحدى الأيمان اليوم وفي يمين أخرى غدا، وفي يمين ثالثة بعد الغد، يحنث في أيمان كثيرة على هذا النحو، أيلزمه أن يتصدق بثلث ماله لأول حنثه ثم بثلث ما بقي للحنث الثاني ثم بثلث ما بقي للحنث الثالث؟ يكون على هذا يلزمه في كل حنث إخراج ثلث ما بقي أم لا يلزمه إلا إخراج ثلث ماله مرة واحدة وإن حنث في جميع أيمانه؟ فقال: إن كانت أيمانه في كلمة واحدة أو كلام مختلف وأيمان شتى وأزمان متباعدة ذلك كله سواء لا يلزمه من ذلك إلا إخراج ثلث ماله مرة واحدة حنث في جميع أيمانه أم لم يحنث إلا في يمين واحدة إلا أن يكون حنث فأخرج ثلث ماله ثم حلف بعد ذلك وحنث فهو الذي يجب عليه أن يخرج ثلث ما بيده كلما حنث على هذه الحال، فأما ما وكد من الأيمان أو أكثر من الحنث قبل أن يخرج ثلث ماله لحنثه وإن كان ذلك في أمور كثيرة مختلفة فليس عليه إلا ما على من لم يحنث إلا يمينا واحدة في أمر واحد، ثم إذا حنث في إحدى الأيمان فأخر ثلث ماله ثم حنث في بقية الأيمان التي كان عقد قبل أن يخرج ثلث ماله فلا شيء عليه في جميع تلك الأيمان حنث فيها قبل إخراج الثلث أو بعده، قلت: أرأيت إن حلف وماله ألف دينار فأنفقه إلا مائة دينار ثم حنث؟ قال: ليس عليه أن يخرج إلا ثلث المائه الدينار، قيل له: فإن حلف وماله ألف دينار فلم يحنث حتى أدارها فصارت ألفي دينار ودخلت عليه فوائد؟ قال: ليس عليه أن يخرج إلا ثلث ما كان بيده يوم حلف، كذلك قال لي مالك. قلت: أرأيت ما استنفق بعد ما حنث من المال الذي كان بيده يوم حلف؟ قال: أحب إلي أن يخرج ثلث جميع ما كان بيده يوم حنث مما كان يملك يوم حلف، ولا أرى ذلك عليه واجبا.
قال محمد بن رشد: قوله في من حلف بصدقة ماله مرات على أشياء شتى إنه ليس عليه إذا حنث في أيمانه كلها إلا ثلث ماله مرة واحدة فإن حنث فيها كلها قبل أن يخرج ثلث ماله أخرج ثلثه مرة واحدة وإن حنث في بعضها فأخرج ثلث ماله في بقيتها فليس عليه شيء صحيح؛ لأن عقد اليمين لا يوجب عليه الصدقة بثلث ماله وإنما يوجب ذلك عليه الحنث فإذا حلف بصدقة ماله على شيء ألا يفعله ثم حلف قبل أن يحنث بصدقة ماله ثانية على شيء آخر ألا يفعله فحنث في اليمين فليس عليه فيهما إلا ثلث ماله مرة واحدة سواء حنث فيهما جميعا قبل أن يخرج الثلث أو حنث في أحدهما فأخرج الثلث ثم حنث في الآخر بعد ذلك؛ لأنه إنما هو حالف في اليمين بشيء واحد وهو ثلث ماله، فإن كان قد أخرجه إن حنث في اليمين الأولى فلم يبده ما يحنث به في اليمين الثانية، وإن كان لم يخرجه فهو الذي يجب عليه إخراجه بمنزلة من قال: إن فعلت كذا وكذا فعبدي فلان حر فليس عليه أكثر من حرية عبده حنث في اليمينين أو في أحدهما، وقد وقع في سماع أبي زيد بعد هذا ما لابن القاسم، وأما لابن كنانة على ما يحتمله ذلك من التأويل أن عليه إخراج ثلث ماله لليمين الأول ثم ثلث ما بقي لليمين الثانية ثم ثلث ما بقي لليمين الثالثة، وهو بعيد بدليل ما ذكرناه، وإنما يجب عليه في القياس إخراج ثلث ماله لليمين الأولى وثلث ما بقي لليمين الثانية وثلث ما بقي لليمين الثالثة إذا حلف وحنث ثم حلف وحنث ثم حلف وحنث لأنه إذا حنث فقد وجب عليه إخراج ثلث ماله فإذا حلف بصدقة ماله بعد وجوب ذلك عليه فإنما تقع يمينه بصدقة ما بقي من ماله فيجب عليه إخراج ثلثه إذا حنث لا يدخل بعض ذلك في بعض خلاف ما تدل عليه هذه الرواية وخلاف ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مالك وبعض أصحابه من أنه لا يجب عليه إلا ثلث واحد للأيمان كلها، وذلك استحسان على غير قياس مراعاة للاختلاف في أصل اليمين، وأما إذا حلف وحنث فأخرج ثلث ماله ثم حلف بعد ذلك وحنث فلا اختلاف في أن عليه إخراج ثلث ما بقي بيده بعد ما أخرج لليمين الأولى، ولا اختلاف في أنه إذا حلف بصدقة ماله ثم حنث وقد نقص المال أنه لا يجب عليه أن يتصدق إلا بما بقي بيده يوم حنث، واختلف إذا حنث وقد زاد المال بتجارة أو بولادة رقيق كانوا فيه، فقال في الرواية: إنه ليس عليه أن يخرج ثلث النماء، ومثله في الواضحة وغيرها لابن القاسم، وهو صحيح؛ لأنه على بر، وقد قال ابن القاسم في الذي يحلف بعتق رقيقه ألا يفعل فعلا فيولد لهم أولاد إن القياس ألا يدخل أولادهم في اليمين لأنه علي بر، وإن كان قد قال مالك إنهم يدخلون في اليمين، وفي المبسوطة لابن دينار أن ربح المال يدخل في الصدقة ولا يدخل أولاد الرقيق في اليمين بعتقهم، ولو قال في ذلك بالعكس لكان أشبه من أجل الاختلاف في اليمين بصدقة المال، وأما ما استنفق بعد ما حنث مما كان بيده يوم حلف فالقياس أن عليه أن يخرج ثلث ذلك، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم في المبسوطة وقول ابن حبيب في الواضحة، وقول ابن المواز، قال: لأنه كالزكاة يجب عليه ما أنفق، وإسقاط ذلك عنه في الرواية استحسان مراعاة للاختلاف في اليمين، وأما ما تلف من المال بعد الحنث فقال في الهبات من المدونة لا شيء عليه فيه فرط أو لم يفرط، ومثله في الواضحة وفي المبسوطة من رواية أصبغ عن ابن القاسم، وله فيها أيضا ما يدل على أن عليه أن يخرج ثلث ما تلف إذا فرط، وهذا الذي يوجبه النظر قياسا على المال يفرط في إخراج الزكاة منه بعد الحول حتى يتلف فالقول الأول استحسان على غير قياس، وبالله التوفيق.